• 00962799190946/00962791111341
  • info@ezzlaw.com

في زمن تتسارع فيه وتيرة التطورات التكنولوجية، أصبح الذكاء الاصطناعي الـ (AI) عنصراً أساسياً في مجالات متعددة من الرعاية الصحية إلى المالية والنقل، حيث تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على تقديم حلول مبتكرة لمشكلات معقدة؛ مما يعزز الكفاءة ويخفض التكاليف بشكل ملحوظ، إلا أن هذه الابتكارات لا تكاد تخلو من تحديات قانونية وأخلاقية معقدة، وفي ظل هذه التحديات المتزايدة أصبح من الضروري استكشاف الآثار القانونية الناشئة عن هذه التحولات السريعة، إذ يحتاج المشرعون والمحامون إلى التفكير في كيفية تحديث الأطر القانونية الحالية لتلبية متطلبات المجتمع وضمان استخدام آمن وفعال لهذه الأنظمة. يسعى هذا المقال إلى تحليل العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والقانون، مسلطاً الضوء على التحديات الراهنة والفرص المستقبلية التي تقدمها هذه التكنولوجيا في بناء نظام قانوني يواكب الابتكار.

 

ماهية الذكاء الاصطناعي في القانون:

 الذكاء الاصطناعي في القانون: يعني تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على العمليات القانونية المختلفة، بدءاً من البحث القانوني وصولاً إلى اتخاذ القرارات القضائية، يتم ذلك من خلال استخدام خوارزميات معقدة قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات القانونية، وتعلم الأنماط، واتخاذ قرارات مستنيرة بناء على هذه الأنماط.

يمثل الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في المجال القانوني، حيث يستخدم لتعزيز كفاءة العمليات القانونية وزيادة دقة التحليل، فمن خلال أدواته المتطورة ساعد المحامين على تحليل كميات كبيرة من الوثائق والأحكام القانونية بسرعة وفعالية، الأمر الذي سهل عملية الوصول إلى المعلومات المطلوبة لإجراء البحوث القانونية في وقت أقل، إضافة إلى ذلك تعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تحليل أنماط وأحكام سابقة لتوقع نتائج القضايا؛ مما يوفر لهم تصوراً أوضح لاحتمالات الفوز أو الخسارة في القضايا المختلفة.

 

فرص وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني:

يشهد المجال القانوني تحولاً جذرياً بفضل تزايد اعتماد التقنيات الحديثة ولاسيما الذكاء الاصطناعي، هذا الأمر يفتح آفاقاً واسعة من الفرص والتطبيقات التي من شأنها أن تعيد تشكيل ممارسة القانون بشكل كامل، ومن أبرز فرص وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني ما يلي:

§      البحث القانوني: يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين البحث القانونيمن خلال قيام الأنظمة التي تعتمد عليه بالبحث في قواعد البيانات الضخمة للقوانين والأحكام السابقة بسرعة فائقة؛ مما يوفر الوقت والجهد على الباحثين القانونين، كما تستطيع هذه الأنظمة تحديد المصادر القانونية ذات الصلة بدقة عالية؛ مما يقلل من احتمال حدوث أخطاء في البحث القانوني، وتقوم كذلك بتحليل بيانات من قضايا سابقة للتنبؤ بنتائج قضايا جديدة؛ مما يساعد المحامين على تطوير استراتيجيات قانونية أكثر فعالية، ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً استخراج المعلومات ذات الصلة من النصوص القانونية المعقدة مثل الأحكام القضائية والعقود؛ مما يسهل عملية الفهم والتحليل.

§      تحليل العقود:يشير تحليل العقود بالذكاء الاصطناعي إلى استخدام خوارزميات التعلم الآلي، وتحليل بنود مئات العقود القانونية بشكل دقيق وسريع وفي وقت قياسي؛ ما يوفر الوقت والجهد المبذول على المحامين والموظفين القانونيين، ويقلل من احتمالية حدوث أي أخطاء بشرية، ويساعد الذكاء الاصطناعي على تحديد المخاطر القانونية المحتملة في العقود؛ بالإضافة إلى استخراج المعلومات ذات الصلة واتخاذ قرارات مستنيرة بشأنها.

§      كشف الاحتيال: برز دور الذكاء الاصطناعي كأداة قوية وفعالة في الكشف عن الأنشطة الاحتيالية قبل وقوع الضرر، فهو يتميز بقدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة عالية؛ ما يتيح له الكشف عن الأنماط والاتجاهات التي قد تشير إلى نشاط احتيالي والتي يصعب على البشر ملاحظتها، وله أيضاً القدرة على كشف أي نشاط احتيالي في الوقت الفعلي؛ ما يساعد في اتخاذ إجراءات سريعة لمنع وقوع الضرر.

§      تقديم المساعدة القانونية:يساعد الذكاء الاصطناعي في تحسين تقديم المساعدة القانونية عبر الاستعانة بروبوتات المحادثة التي تقوم بالإجابة على أسئلة قانونية بسيطة، وتقدم معلومات قانونية أساسية للمواطنين؛ ما يسهل عليهم فهم ومعرفة جميع حقوقهم وواجباتهم، ويمكن للذكاء الاصطناعي القيام بتقييم أهلية الأفراد من أجل الحصول على مساعدات قانونية مجانية؛ يؤدي ذلك إلى تسريع عملية الوصول إلى الخدمات القانونية، بالإضافة إلى قيامه بتقديم نصائح قانونية مخصصة لكل فرد بناءً على تحليل حالة كل واحد على حدة.

§      أتمتة المهام الروتينية:يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بالعديد من المهام الروتينية والمتكررة في المكاتب القانونية، مثل إعداد وتحضير المستندات القانونية كالشكاوى والطلبات؛ ما يوفر الوقت والجهد على المحامين، ويسمح لهم بالتركيز على المهام الأخرى التي تتطلب مهارات بشرية أعلى، وتساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي على تقليل حدوث الأخطاء البشرية التي قد تحصل عند إعدادهم للمهام الروتينية، وتقلل من التكاليف التشغيلية للمكاتب القانونية، بالإضافة إلى إمكانية الذكاء الاصطناعي على تحليل العواطف في الشهادات التي يتم تقديمها في المحاكم؛ ما يساعد المحامين في تقييم مصداقية الشهود، وأيضاً يمكنهم من القيام بإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للمواقع الجنائية؛ ما يساعد المحققين في إعادة بناء الجريمة وتحليل الأدلة.

§      ترجمة النصوص القانونية الآلية: تعد الترجمة القانونية الآلية واحدة من أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، وهي تساهم بشكل كبير في تسهيل التواصل بين الأنظمة القانونية المختلفة حول العالم، وهي عملية استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات لترجمة النصوص القانونية من لغة إلى أخرى، مع المحافظة على الدقة والمعنى القانوني الأصلي قدر الإمكان، وتعتبر الترجمة القانونية الآلية مهمة؛ بسبب احتواء النصوص القانونية على مصطلحات قانونية صعبة تختلف من نظام قانوني لآخر، فأي خطأ في الترجمة قد يؤدي إلى تفسيرات خاطئة وتبعات قانونية خطيرة.

 

الإطار القانوني المنظم للذكاء الاصطناعي:

يشهد الذكاء الاصطناعي نمواً متسارعاً وتأثيراً متزايداً على مختلف جوانب الحياة؛ ما يطرح العديد من التحديات التي تتعلق بضرورة وضع إطار قانوني مناسب لتنظيم هذا التطور، وتتمثل أهمية وضع هذا الإطار في ضمان حماية حقوق الأفراد الأساسية مثل الأمن والخصوصية، وعدالة الإجراءات القانونية، وتحديد المسؤولية القانونية المترتبة حال حدوث أضرار ناجمة عن استخدام أنظمته، ووضع معايير أخلاقية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية.

هنالك عدة جهود دولية تنظم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي من بينها قيام الاتحاد الأوروبي بتقديم مشروع قانون شامل لتنظيمه؛ الهدف منه تصنيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي بحسب مستوى المخاطر التي تشكلها، ووضع قواعد صارمة للتطبيقات عالية المخاطر، وكذلك عملت الأمم المتحدة على تطوير مبادئ توجيهية عالمية للذكاء الاصطناعي، وركزت الولايات المتحدة الأمريكية على نهج قائم على المبادئ التوجيهية، مع تركيزها على تعزيز المسؤولية والابتكار.

 

التحديات القانونية للذكاء الاصطناعي والحلول المقترحة

تشهد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تطوراً سريعاً يترافق مع تحديات قانونية كبيرة، تشمل قضايا المسؤولية القانونية، والخصوصية، والملكية الفكرية، والعدالة، والشفافية، ومن أبرز التحديات القانونية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي ما يلي:

·      المسؤولية القانونية: يثار تساؤل هنا أنه في حال ارتكب نظام ذكاء اصطناعي خطأً ما تسبب في أضرار مادية أو معنوية، من يتحمل المسؤولية؟ هل هي الشركة المصنعة أم المبرمج أم المستخدم؟ لمعرفة من المسؤول لا بد منالإشارة إلى العوامل المؤثرة في تحديد هذه المسؤولية وهي: طبيعة الضرر (هل الضرر الحاصل مادي أم معنوي؟، مباشر أم غير مباشر؟)، وهل النظام يتخذ قرارات مستقلة أم أنه يعمل تحت إشراف بشري؟، وإلى أي مدى يتدخل البشر في عملية اتخاذ القرارات بواسطة النظام؟ وإلى أي تشريع (نظام قانوني) يتبع نظام الذكاء الاصطناعي، فكل هذه العوامل مجتمعة تؤثر على تحديد المسؤولية القانونية. وقد تباينت الآراء السائدة حول تحديد المسؤولية، فالبعض يرى بأنها مسؤولية تقصيرية تقع على عاتق الشخص الذي ارتكب خطأً في تصميم أو تشغيل النظام، وذلك بحسب المبادئ العامة للمسؤولية التقصيرية، وهناك من يرى بأنها مسؤولية موضوعية بحيث يجب أن تقع على عاتق الشركة المصنعة للنظام، بغض النظر عن وجود خطأ منها؛ نظراً لصعوبة إثبات الخطأ في بعض الحالات، ويرى آخرون أنها مسؤولية مشتركة يجب أن توزع بين عدة أطراف، بما في ذلك الشركة المصنعة للنظام، المبرمج، المستخدم وغيرهم، وهناك من يدعو إلى منح أنظمة الذكاء الاصطناعي شخصية قانونية مستقلة؛ ما يجعلها مسؤولة عن أفعالها بنفسها.

·      الخصوصية:كيف يمكن حماية خصوصية الأفراد في ظل جمع وتخزين كميات هائلة من البيانات الشخصية بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ يمكن الإجابة على هذا التساؤل من خلال طرح بعض الاستراتيجيات والحلول المقترحة، والتي في حال اتباعها فإنها تضمن حماية خصوصية الأفراد المستخدمين لهذه الأنظمة وهي: سن تشريعات وقوانين لحماية البيانات الشاملة، بحيث يجب أن تتضمن هذه القوانين أحكاماً واضحة بشأن جمع البيانات، واستخدامها، وتخزينها، وطريقة الوصول إليها، وحق الأفراد في الاطلاع على بياناتهم الشخصية وتصحيحها وحذفها، العمل على تحديث هذه القوانين والتشريعات بشكل مستمر؛ لجعلها قادرة على مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة، فرض عقوبات رادعة على كل من ينتهك خصوصية البيانات؛ بحيث تكفي لردع الأفراد والشركات عن ارتكاب هذه الانتهاكات، تشفير البيانات الخاصة بهدف حمايتها من الوصول الغير المصرح به.

·      الشفافية والمساءلة: في ظل التقدم المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي، وتزايد الاعتماد على الخوارزميات في عملية اتخاذ القرارات، باتت مسألة الشفافية والمساءلة ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى؛ بسبب تعقيد هذه الخوارزميات ووجود كميات ضخمة تعتمد عليها، فأصبح من الصعب على الأفراد فهم كيفية تأثير هذه الأنظمة على حياتهم، لذا يتوجب على الشركات والمؤسسات أن تكون شفافة بشأن كيفية جمعها واستخدامها للبيانات الشخصية، وأن تكون مسؤولة عن أي أضرار قد تلحق بالأفراد نتيجة لاستخدام هذه البيانات، وذلك بجعلها معرضة للمساءلة القانونية في حال حدوث أي انتهاكات من قبلها؛ ما يمكننا من بناء ثقة أكبر تجاه أنظمة الذكاء الاصطناعي، وضمان استخدامها بشكل عادل ومنصف.

·      التعليم والتوعية: يلعب التعليم والتوعية والمشاركة المجتمعية دوراً مهماً في مساعدة الأفراد على اتخاذ قراراتهم بما يضمن حماية حقوقهم، إذ يجب أن يكون التعليم حول حماية واستخدام البيانات الشخصية، والخصوصية، والذكاء الاصطناعي، جزءاً لا يتجزأ من المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية، وينبغي تنظيم حملات توعية واسعة النطاق تستهدف الجمهور العام، وتوضح المخاطر المحتملة لانتهاك الخصوصية وكيفية حماية البيانات الشخصية، كما ويجب تدريب العاملين في القطاعات العامة والخاصة على أفضل الممارسات في توفير الحماية لهذه البيانات، خاصة في المؤسسات التي تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي.

·      التعاون الدولي: يساعد التعاون الدولي على وضع معايير مشتركة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وضمان استخدامه بشكل مسؤول وآمن، ويمكن للدول الاستفادة من الخبرات والمعرفة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ مما يساهم في تسريع وتيرة التطور في هذا المجال، وأيضاً يسهم التعاون الدولي في مواجهة التحديات العالمية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي مثل الأمن السيبراني، وفقدان الوظائف، ويعزز الذكاء الاصطناعي بشكل كبير من تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ ولتحقيق ذلك لا بد من وجود تعاون دولي يضمن توزيع الفوائد بشكل عادل.

 

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمثل قوة دافعة نحو مستقبل أكثر كفاءة وفعالية في مجال القانون، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عن دور الإنسان في النظام القانوني، فالذكاء الاصطناعي رغم قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات وتقديم رؤى قيّمة، لا يزال يفتقر إلى القدرة على فهم التعقيدات الاجتماعية والأخلاقية التي تتطلبها عملية صنع القرار القضائي، لذا يجب أن يكون هناك تفاعل مستمر بين الإنسان والآلة، إذ يقوم الإنسان بالإشراف على عمل الأنظمة الذكية واتخاذ القرارات النهائية التي تتطلب الحكمة والتقدير للقيم الأخلاقية والاجتماعية، فمستقبل الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني يحمل الكثير من الوعود والتحديات، ومن المتوقع أن يشهد هذا المجال تطورات كبيرة في السنوات القادمة ستؤدي إلى تغييرات جوهرية في ممارسة القانون، ومع ذلك فإن تحقيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات يتطلب التعاون بين الخبراء القانونيين وعلماء الحاسوب، بالإضافة إلى وضع إطار قانوني وأخلاقي واضح لضمان استخدامها بشكل مسؤول وأخلاقي.