المرافعة في ساحة القضاء هي معركة أشبه ما تكون بمباراة يسودها الروح الرياضية والصدق والأمانة وسائر صفات القرآن الحميدة لمن أراد العلو في الدنيا والآخرة، والمحامي يبذل فيها جل جهده الذهني والعقلي لإظهار الحقيقة أمام أعين القاضي، والمرافعة لا تبلغ النتائج المرجوة إلا إذا أحسن المترافع استخدام اللغة وهو ما يتطلب الإلمام بفن المرافعة.
مبادئ في فن المرافعة:
وهي عبارة عن أربعة مبادئ سنتناولها بالشرح كما سيلي :
البلاغة
البلاغة ضرورية لإظهار الحق وذلك بأن يكون المترافع رابط الجأش متخير للفظ ، فالبلاغة هي إيصال ما في القلب إلى القلب، وهي صفة لازمة لمن جعل الدفاع عن حقوق الناس مهنته فالمحامي يجب أن يكون بالغ الأثر بلسانه متلاعبًا بالقلوب والعقول
الجرأة
المرافعة تتطلب الجرأة، والجرأة لا تعني الغرور أو الكبرياء، بل هي الجرأة المقرونة بالتواضع، وتعني أن يكون المحامي على استعداد للمواجهة الشفوية والمخاطرة في سبيل إظهار الحق وذلك دون الإضرار اللفظي بالنفس أو بالآخرين ولا تعني الاعتداء على حقوق الغير أو أخذ ما ليس حقًا للجريء في سلوكه، وهي تعتبر بيانًا عن الشخصية القوية وعن طاقة الإقدام داخل الفرد.
الاحترام
فعلى المحامي المترافع أن يتخذ من سلوكه ومظهرة ما يدل على احترامه لهيئة المحكمة، وألا ينتقص من احترام هيئة المحكمة أو الزميل المحامي الخصم أثناء المرافعة بالقول أو بالتلميح أو بالإشارة، وأن يكون وافر التهذيب في كلامه ووقفته وحركاته، وأن يتجنب الكلمات المبتذلة والنابية مما يضفي على المحامي مظهر الوقار والاحترام ويجعله مهاب الجانب.
العاطفة
فالمحامي الجيد هو من يمتلك مؤثرات الذكاء العاطفي عند إلقائه مرافعته فهو يستشعر ما يقول وينقل ذلك الشعور إلى سامعيه فيؤثر فيهم وذلك لأن ما يصدر من القلب ينفذ إلى القلب.
أساليب المرافعة:
أسلوب المرافعة هو فن تختلط فيه الأدلة التي تكفل الإقناع بالإثارة التي تحقق استمالة القاضي، وبالتالي تختلف وتتنوع أساليب المرافعة بحسب ما يفرضه المقام، وسوف نتناول بعض تلك الأساليب كما سيلي :
أسلوب التعجب
وهو أسلوب كثيرًا من يلجأ إليه المترافع أمام القضاء بهدف تقريب وجهة نظره أو بيانها، أو دعم فكرته موضحًا وجود تناقض في شيء ما وجب على القاضي الانتباه إليه، وذلك مثل أن يقول المحامي : ” كيف يمكن أن يكون موكلي قد ارتكب الجريمة وهو كان متواجدًا في مكان آخر وقت ارتكابها بحسب شهادة أكثر من شاهد! “.
أسلوب الاستفهام
يلجأ المحامي إليه عندما يهدف لتشويق القاضي لتشويق القاضي وذلك مثل أن يضع مجموعة من الأسئلة يجيب عليها عند نهاية كل سؤال، وذلك أن السؤال يثير عند القاضي حب الاستطلاع لمعرفة الجواب، ومن ثم يحسن استماعه وتيقظه وانتباهه ومن ثم تثبت الإجابة في ذهن القاضي، ولكن الإسراف في استخدام هذا الأسلوب قد يؤدي لنتائج عكسية ومن ثم وجب على المحامي أن يوازن في أسلوبه ويتخير ألفاظه.
والجدير بالإشارة أن أسلوب الاستفهام سواء كان مجازيًا أو حقيقيًا فهو يُعد الأسلوب الأكثر استعمالًا في المرافعات القضائية، فنادرًا ما تخلو مرافعة من هذا الأسلوب.
أسلوب السخرية
وهو أسلوب يُستخدم في حالة وجود تناقض كبير أو أدلة غير واقعية أو كيدية فيلجأ المحامي المترافع لقول أشياء يقصد منها أشياء أخرى وذلك بقصد السخرية من أدلة الخصم والتناقض الواضح الصريح فيها فهذه الطريقة يفضل استخدامها في حدود ضيقة وعندما يكون هناك فجورًا في الخصومة وظلمًا بينًا لا لبس فيه يستدعي استخدام مثل هذا الأسلوب.
مع الانتباه الى انه لا يجوز للمحامي ان يظهر منه أي استهتار أو استهزاء وحتى استهجان أو استحسان أمام المحكمة وان ذلك يشكل في القانون جرم خرق حرمة المحكمة ، ولكن تم استعراض الأسلوب للغاية العلمية لا أكثر.
أسلوب التكرار
أسلوب التكرار هو أسلوب غير مفضل في المرافعات القضائية إذ أنه يؤدي إلى الممل والسأم، ولكن يُمكن أن يلجأ إليه البعض بغرض ترسيخ فكرة معينة عند القاضي وحتى يجذب انتباهه.
أسلوب الاستعارة والتشبيه
أحيانًا قد تسهم الاستعارة والتشبيه والكناية في توضيح فكرة ما وإبرازها، فإتقان التعبير عن المعنى بأساليب مختلفة وسيلة فعالة من وسائل التعبير ينبغي على المترافع اتباعها حتى يحظى بإصغاء مستمعيه.